Senin, 31 Agustus 2009
Jumat, 21 Agustus 2009
Kitab tentang Ilmu
باب فضل العلم وقول الله تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير } وقوله عز وجل { وقل رب زدني علما
Bab Ke-1: Keutamaan Ilmu. Firman Allah, “Allah akan meninggikan orang-orang yang beriman di antaramu dan orang-orang yang diberi ilmu pengetahuan beberapa derajat. Dan Allah mengetahui apa yang kamu kerjakan” (al-Mujaadilah: 11), dan, “Tuhanku, tambahkanlah kepadaku ilmu pengetahuan.”(’Thaahaa: 114)
باب من سئل علما وهو مشتغل في حديثه فأتم الحديث ثم أجاب السائل
Bab Ke-2: Seseorang yang ditanya mengenai ilmu pengetahuan, sedangkan ia masih sibuk berbicara. Kemudian ia menyelesaikan pembicaraannya, lalu menjawab orang yang bertanya.
59حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح ح وحدثني إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي قال حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال بينما النبي صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال أين أراه السائل عن الساعة قال ها أنا يا رسول الله قال فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال كيف إضاعتها قال إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة
Abu Hurairah r.a. berkata, “Ketika Rasulullah saw. di suatu majelis sedang berbicara dengan suatu kaum, datanglah seorang kampung dan berkata, ‘Kapankah kiamat itu?’ Rasulullah terus berbicara, lalu sebagian kaum berkata, ‘Beliau mendengar apa yang dikatakan olehnya, namun beliau benci apa yang dikatakannya itu.’ Dan sebagian dari mereka berkata, ‘Beliau tidak mendengarnya.’ Sehingga, ketika beliau selesai berbicara, maka beliau bersabda, ‘Di manakah gerangan orang yang bertanya tentang kiamat?’ Ia berkata, ‘Inilah saya, wahai Rasulullah.’ Beliau bersabda, ‘Apabila amanat itu telah disia-siakan, maka nantikanlah kiamat.’ Ia berkata, ‘Bagaimana menyia-nyiakannya?’ Beliau bersabda, ‘Apabila perkara (urusan) diserahkan (pada satu riwayat disebutkan dengan: disandarkan 7/18 kepada selain ahlinya, maka nantikanlah kiamat.
باب من رفع صوته بالعلم
اب قول المحدث حدثنا أو أخبرنا وأنبأنا وقال لنا الحميدي كان عند بن عيينة حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت واحدا وقال بن مسعود حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق وقال شقيق عن عبد الله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم كلمة وقال حذيفة حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين وقال أبو العالية عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن ربه وقال أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل وقال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربكم عز وجل
61حدثنا قتيبة حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البوادي قال عبد الله ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله قال هي النخلة
Ibnu Umar meriwayatkan, رسول الله bersabda, “Sesungguhnya diantara pepohonan ada sebuah pohon yang daunnya tidak pernah jatuh. Demikian itulah seperti orang islam. Katakan kepadaku pohon apakah itu ?” . Maka setiap orang mulai memikirkan bermacam-macam tumbuhan yang ada di gurun pasir. AbduLlah kemudian berkata, “Aku berfikir bahwa pohon itu adalah pohon kurma, akan tetapi aku malu untuk menjawab”. Kemuduan mereka bertanya, “Pohon apakah itu wahai رسول الله ?” itu adalah pohon kurma
باب ما يذكر في المناولة وكتاب أهل العلم بالعلم
حدثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن أخبرنا عبد الله قال أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال كتب النبي صلى الله عليه وسلم كتابا أو أراد أن يكتب فقيل له إنهم لا يقرؤون كتابا إلا مختوما فاتخذ خاتما من فضة نقشه محمد رسول الله كأني أنظر إلى بياضه في يده فقلت لقتادة من قال نقشه محمد رسول الله قال أنس
Anas bin Malik meriwayatkan, رسول الله menulis surat atau meminta dituliskan sebuah surat maka diberitahukan kepada beliau SAW bahwa mereka tidak akan membaca surat melainkan jika diberi segel (cap). Maka رسول الله mengambil cincin dari perak yang terpahat tulisan محمد رسول الله . Seakan aku masih melihat kilaua putihnya cindin itu di tangan رسول الله
باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها
حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره عن أبي واقد الليثي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد قال فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها وأما الآخر فجلس خلفهم وأما الثالث فأدبر ذاهبا فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه
Abu Waqid al-Laitsi mengatakan bahwa ketika Rasulullah saw. duduk di masjid bersama orang-orang, tiba-tiba datang tiga orang. Dua orang menghadap kepada Nabi saw. dan seorang (lagi) pergi. Dua orang itu berhenti pada Rasulullah saw., yang seorang duduk di belakang mereka, dan yang ketiga berpaling, pergi. Ketika Rasulullah saw. selesai, beliau bersabda, “Maukah saya beritakan tentang tiga orang. Yaitu, salah seorang di antara mereka berlindung kepada Allah, maka Allah melindunginya; yang seorang lagi malu, maka Allah malu terhadapnya; dan yang lain lagi berpaling, maka Allah berpaling darinya.”
حدثنا مسدد قال حدثنا بشر قال حدثنا بن عون عن بن سيرين عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه قال أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه
'Abdur Rahman bin Abi Bakra meriwayatkan dari ayahnya yang menceritakan bahwa pada suatu ketika رسول الله mengendarai unta sedangkan seseorang memegangi tali kekang/kendali. رسول الله bersabda, “hari apakah saat ini ?” Kamipun semua terdiam sampai kami mengira bahwa beliau akan menyebut hari itu dengan nama yang lain. Beliau berkata lagi, “Bukankah hair ini adalah hari Nahar ?” (waktu untuk menyembelih hewan kurban). Kami menjawab “Benar”. Beliau bertanya, “Bulan apakah ini ?” Kamipun terdiam dan berfikir bahwa beliau akan menyebutkan nama lain selain bulan saat ini. Beliau melanjutkan perkataannya, “Bukankah bulan ini adalah bulan dzul HIjjah”. Kamipun menjawab, “Benar. Beliau berkata lagi, “sesungguhnya darah kalian, harta benda kalian, dan kehormatan diantara kalian adalah suci seperti hari kalian saat ini, pada bulan kalian ini, di negeri kalian ini. Hendaklah yang hadir menyampiakan kepada yang tidak hadir karena yang saat ini hadir mungkin akan menyampaikan kepada orang yang dapat lebih memahami daripada dia”.
باب العلم قبل القول والعمل
قول الله تعالى { فاعلم أنه لا إله إلا الله } فبدأ بالعلم وأن العلماء هم ورثة الأنبياء ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر ومن سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وقال جل ذكره { إنما يخشى الله من عباده العلماء } وقال { وما يعقلها إلا العالمون } { وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير } وقال { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقهه وإنما العلم بالتعلم وقال أبو ذر لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار إلى قفاه ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها وقال بن عباس { كونوا ربانيين } حلماء فقهاء ويقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره
باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا
68 حدثنا محمد بن يوسف قال أخبرنا سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن بن مسعود قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا
Ibn Mas'ud berkata, “Sesungguhnya رسول الله memperhatikan kita semua apabila memberi nasihat (dengan memilih) waktu yang baik agar tidak terjadi kebosanan pada kami semua”.
”
Rabu, 19 Agustus 2009
(من علماء القرن العاشر الهجري)
(قرآن كريم)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .
(أول ما يجب على المكلف) : تصحيح إيمانه ثم معرفة ما يصلح به فرض عينه كأحكام الصلاة والطهارة والصيام . (ويجب) عليه أن يحافظ على حدود الله ويقف عند أمره ونهيه ويتوب إلى الله سبحانه قبل أن يسخط عليه . (وشروط التوبة) الندم على ما فات ، والنية أن لا يعود إلى ذنب فيما بقى عليه من عمره ، وأن يترك المعصية في ساعتها إن كان متلبسا بها ، ولا يحل له أن يؤخر التوبة ، ولا يقول حتى يهديني الله ؛ فإنه من علامات الشقاء والخذلان وطمس البصيرة.
(ويجبُ) عليه حفظ لسانه من الفحشاء والمنكر والكلام القبيح وإيمان الطلاق ، وانتهار المسلم وإهانته ، وسبه وتخويفه في غير حق شرعي .
(ويجبُ) عليه حفظ بصره عن ا لنظر إلى الحرام ، ولا يحل له أن ينظر إلى مسلم بنظرة تؤذيه إلا أن يكون فاسقاً فيجب هجرانه .
(ويجب) عليه حفظ جميع جوارحه ما استطاع ، وأن يحب لله ويبغض له ويرضى له ويغضب له ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويحرم عليه الكذب والغيبة والنميمة والكبر والعجب والرياء والسمعة والحسد والبغض والسخرية والزنا والنظر إلى الأجنبية والتلذذ بكلامها وأكل أموال الناس بغير طيب نفس والأكل الشفاعة أو الدين وتأخير الصلاة عن أوقاتها . ولا يحل له صحبة فاسق ولا مجالسته لغير ضرورة ، ولا يطلب رضا المخلوقين بسخط الخالد ، قال الله سبحانه وتعالى : (والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين) وقال عليه الصلاة والسلام : "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" ولا يحل له أن يفعل فعلاً حتى يعلم حكم الله فيه ويسأل العلماء ويقتدي بالمتبعين لسنة صلى الله عليه وسلم الذين يدلون على طاعة الله ، ويحذرون من اتباع الشيطان ولا يرضى لنفسه ما رضيه المفلسون الذين ضاعت أعمارهم في غير طاعة الله تعالى، فيا حسرتهم ويا يطول بكائهم يوم القيامة نسأل الله أن يوفقنا لاتباع سنة نبينا وشفيعنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فصل في الطهارة
الطهارة قسمان : طهارة حدث وطهارة خبث ، ولا يصح الجميع إلا بالماء الطاهر المطر ، وهو الذي لم يتغير لونه أو طعمه أو رائحته بما يفارقه غالباً كالزيت والسمن والدسم كله ، والوذح والصابون والوسخ ونحوه ، ولا بأس التراب والحماة والسبخة والأجر ونحوه .
(فصل) إذا تعينت النجاسة غسل محلها ، فإن التبست غسل الثوب كله ، ومن شك في إصابة النجاسة نضح ، وإن إصابة شيء شك في نجاسته فلا نضح عليه ، ومن تذكر النجاسة وهو في الصلاة قطع إلا أن يخاف خروج الوقت ، ومن صلى بها ناسياً وتذكر بعد السلام أعد في الوقت .
(فصل) فرائض الوضوء سبع : النية ، وغسل الوجه ، وغسل اليدين إلى المرفقين ، ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين ، والدلك ، والفور .
(وسننه) غسل اليدين إلى الكوعين عند الشروع ، والمضمضة ، والاستنشاق ، والاستنثار، ورد مسح الرأس ومسح الأذنين وتجديد الماء لهما ، والترتيب بين الفرئض ؛ ومن نسى فرضاً من أعضائه ، فإن تذكره بالقرب فعله وما بعده ، وإن طال فعله وحده وأعاد ما صلى قبله ، وإن ترك سنة فعلها ولا يعيد الصلاة ، ومن نسى لمعة غسلها وحدها بنية ، وإن صلى قبل ذلك أعاد ، ومن تذكر المضمضة والاستنشاق بعد أن شرع في الوجه فلا يرجع إليهما حتى يتم وضوءه .
(وفضائله) التسمية والسواك والزائد على الغسلة الأولى في الوجه واليدين ، والداءه بمقدم الرأس، وترتيب السنن وقله الماء على العضو ، وتقديم اليمنى على السيرى ، ويجب تخليل أصابع الرجلين ، ويجب تخليل اللحية الخفيفة في الوضوء دون الكثيفة ، ويجب تخليلها في الغسل ولو كانت كثيفة .
(فصل) نواقض الوضوء أحدث وأسباب : فالأحداث : البول والغائط والريح والمذى والودى . والأسباب : النوم الثقيل والإغماء والسكر والجنون والقبلة ، ولمس المرأة إن قصد اللذة أو وجدها ، ومس الذكر بباطن الكف أو بباطن الأصابع ؛ ومن شك في حدث وجب عليه الوضوء إلا أن يكون موسوساً فلا شيء عليه ، ويجب عليه غسل الذكر كله من المذى ، ولا يغسل الانثيين والمذى : هو الماء الخارج عند الشهوة الصغرى بتفكر أو نظر أو غيره .
(فصل) لا يحل لغير المتوضي صلاة ولا طواف ولا مس نسخة القرآن العظيم ولا جلدها، لا بيده ولا بعود ونحوه إلا الجزء منها المتعلم فه ، ولا مس لوح القرآن العظيم على غير الوضوء إلا لمتعلم فيه أو معلم يصححه ؛ والصبى في مس القرآن كالكبير والإثم على مناوله له ، ومن صلى بغير وضوء عامداً فهو كافر والعياذ بالله .
(فصل) يجب الغسل من ثلاثة أشياء : الجنابة والحيض والنفاس ، فالجنابة قسمان : أحدهما خروج المني بلذة معتادة في نوم أو يقظة بجماع أو غيره . والثاني : مغيب الحشفة في الفرج، ومن رأى في منامه كأنه يجامع ولم يخرج منه مني فلا شيء عليه ، ومن وجد في ثوبه منياً يابساً لا يدري متى أصابه ، اغتسل وأعاد ما صلى من آخر نومه نامها فيه .
(فصل) فرائض الغسل : النية عند الشروع والفور والدلك والعموم .
(وسننه) : غسل اليدين إلى الكوعين كالوضوء ، والمضمضة والاستنشاق والاستنثار، وغسل صماخ الأذن ، وهي الثقبة الداخلة في الرأس ، وأما صحفة الأذن فيجب غسل ظاهرها وباطنها .
(وفضائله) : البداية بغسل النجاسة ثم الذكر فينوي عنده ثم أعضاء الوضوء مرة مرة ، ثم أعلى جسده ، وتثليث غسل الرأس ، وتقديم شق جسده الأيمن ، وتقليل الماء على الأعضاء ، ومن نسى لمعة أو عضوا من غسله بادر إلى غسل حين تذكره ولو بعد شهر ، وأعاد ما صلى قبله. وإن آخره بعد ذكره بطل غسله ، فإن كان في أعضاء الوضوء وصادفه غسل الوضوء أجزأه .
(فصل) لا يحل للجنب دخول المسجد ، ولا قراءة القرآن إلا الآية ونحوها للتعوذ ونحوه ، ولا يجوز لمن لا يقدر على الماء البارد أن يأتي زوجته حتى يعد الآلة إلا أن يحتلم ، فلا شيء عليه .
فصل في التيمم
ويتيمم المسافر في غير معصية ، والمريض لفريضة أو نافلة ، ويتيمم الحاضر الصحيح للفرائض إذا خاف خروج وقتها ، ولا يتيمم الحاضر الصحيح لنافلة ولا جمعة ولا جنازة إلا إذا تعينت عليه الجنازة .
(وفرائض التيمم) : النية والصعيد الطاهر ، ومسح الوجه ومسح اليدين إلى الكوعين ، وضربة الأرض الأولى والفور ، ودخول الوقت واتصاله بالصلاة ؛ والصعيد : هو التراب والطوب والحجر ، والثلج والخضخاض ونحو ذلك . ولا يجوز بالجص المطبوخ والحصير والخشب والحشيش ونحوه ، ورخص للمريض في حائط الحجر والطوب إن لم يجد مناولاً غيره .
(وسننه) : تجديد الصعيد ليديه ومسح ما بين الكوعين والمرفقين ، والترتيب .
(وفضائله) التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى وتقديم ظاهر الذراع على باطنه ومقدمة على مؤخره .
(ونواقضه) : كالوضوء ولا تصلى فريضتان بتيمم واحد ، ومن تيمم لفرضة جاز له النوافق بعدها ومس المصحف والطواف والتلاوة إن نوى ذلك واتصلت بالصلاة ولم يخرج الوقت؛ وجاز بتيمم النافلة كل ما ذكر إلا الفريضة ، ومن صلى العشاء بتيمم قام للشفع والوتر بعدها من غير تأخير ، ومن تيمم من جنابة فلابد من نيتها .
فصل في الحيض
والنساء مبتدأة ومعتادة وحامل ، وأكثر الحيض للمبتدأة خمسة عشر يوماً وللمعتادة عادتها، فإن تمادى بها الدم زادت ثلاثة أيام ما لم تجاوز خمسة عشر يوماً ، وللحامل بعد ثلاثة أشهر خمسة عشر يوماً ونحوها ، وبعد ستة أشهر عشرون ونحوها ، فإن تقطع الدم لفقت أيامه حتى تكمل عادتها ، ولا يحل للحائض صلاة ولا صوم ولا طواف ولا مس مصحف ولا دخول مسجد، وعليها قضاء الصوم دون الصلاة وقراءتها جائزة ، ولا يحل لزوجها فرجها ولا ما بين سرتها وركبتيها حتى تغتسل .
إعلام الزمرة السيارة بتحقيق حكم الصلاة في الطيّارة
عفى الله تعالى عنه آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أوضح أحكام الدين، واختص بفقهها وفهم مدلولاتها من اختاره من المؤمنين. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالشريعة الغراء والمَحَجَّة البيضاء، ليلُها كنهارها منيرة للمستبصرين. وعلى آله وصحبه وتابعيهم بحسن اليقين إلى يوم الدين.
أما بعد، فهذه رسالة مختصرة، وعبارة محرّرة حداني إلى تسطيرها اختلاف كثير من طلبة العلم في مسألة هي من الدين بمكان عظيم. وذكرها والبحث فيها مما يتصدر كتب الفقه وغيرها من كتب الدين. وهي جزئية من جزئيات الصلاة التي هي ثاني أركان الإسلام، ومفزع المؤمنين إلى ربهم كل يوم وليلة عدة مرات. ومتاح عظيم للعبد يناجى فيها ربه بلذيذ المناجات.
وقد تضمنت الشريعة المطهرة بيان أحكامها حملة وتفصيلا، وقام العلماء الأعلام بضبط هيئتها وبيان قوانينها بضوابط تكفل بيان ما قد يحدث من حوادث العصر ونوازل الدهر إلى يوم الدين.
وقد يكون حكم الحادث منصوصا مسطورا في كتبهم، يسهل تناوله للذكيّ والغبيّ، وقد يكون لقوة ظهوره وبداهة معرفته لا يحتاج إلى تسطير فهو في حكم المنصوص عند الأذكياء من أهل العلم. ومن هذا القبيل اشتراط كون المصلى متصلا بقرار الأرض مباشرة أو بواسطة سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا، وسواء كان ماشيا أو راكبا أو محمولا، فلا بد أن يكون متصلا بقرار الأرض ولو على ظهر دابة أو سرير محمول على أعناق الرجال أو على قمة جبل أو على أغصان شجرة. أما إذا كان معلقا في الهواء فلا تصح الصلاة حينئذٍ ولو كان محمولا في شيء كصندوق لعدم نسبته إلى القرار ولو بالواسطة.
ومن هنا يأتي الكلام على مسألة الصلاة في الطيارة التي هي مقصود هذه الرسالة. وهي من النوازل العصرية، والمسائل الحالية، كثيرة الوقوع، ولكنها داخلة تحت العبارات السابقة واللاحقة كما ستعرفه إن شاء الله. والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" الحديث. وهو وارد مورد الامتنان، فيفيد عموم الأحوال.
وعبارة فتح الوهاب شرح منهج الطلاب في أركان الصلاة: "وثالثها قيام في فرض بنصب ظهر ولو باستناد إلى شيئ كجدار"، قال العلامة الجمل (قوله كجدار) أي وإن كان بحيث لو رفع لسقط لوجود اسم القيام. نعم لو استند بحيث يمكنه رفع قدميه بطلت صلاته لأنه معلق نفسه وليس بقائم، ومنه يؤخذ قول بعضهم يجب وضع القدمين على الأرض فلو أخذ اثنان بعضديه ورفعاه في الهواء حتى صلى لم تصح صلاته إهـ.
وعبارة شرح الروض الجزء الأول صفحة 136 (فرع) يشترط في صحة صلاة الفريضة الإستقرار إلخ. قال المحشي (قوله يشترط في صحة صلاة الفريضة الإستقرار) فلو حمله رجلان ووقفا في الهواء أو صلى على دابة سائرة في هودج لم تصح صلاته إهـ.
وفي فتح الجواج شرح الإرشاد ومن ثم قال العبادي يجب وضع القدمين على الأرض فلو أخذ اثنان بعضديه ورفعاه في الهواء حتى صلى لم تصح إي فلا بد من الإعتماد ولو على أحدهما إهـ.
وفي المجموع للإمام النووي رحمه الله (فرع) في مسائل تتعلق بالقيام - إلى أن قال - هذا في استناد لا يسلب اسم القيام فإن استند متكئاً بحيث لو رفع عن الأرض قدميه لأمكنه البقاء لم تصح صلاته بلا خلاف لأنه ليس بقائم بل معلق نفسه بشيئ إهـ.
فحاصل هذه العبارات أن الواجب في الصلاة إتصال المصلى بقرار الأرض مباشرة أو بواسطة سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا. نعم الفريضة يشترط فيها وجوب الإستقرار بخلاف النافلة على الدابة أو نحوها وهي سائرة كما لا يخفى على من له ملكة فقهية ومعرفة بمدارك المسائل ورويّة.
وقد اطلعت على رسالة للشيخ العلامة على بن حسين المالكي المكي سماها حكم الصلاة في الطيارة قرر فيها بطلان الصلاة في الطيارة لعدم التمكن من السجود على الأرض أوما اتصل بها. ونجن نثبتها هنا حرفيا ويكون إستدلالنا بما جاء فيها بالأولى لأنه إذا كان البطلان لعدم السجود على الأرض أو ما اتصل بها فلأن يكون أيضا لعدم اتصال المصلى بقدميه بما ذكر من باب أولى لأن السجود قد عهد فيه الإكتفاء بالإيماء عند العجز لكن اتصال المصلى بقرار الأرض ولو بواسطة لم يغتفروه ولا في حال من الأحوال إذ هو مدلول منطوق الحديث السابق.
وهاك نص الرسالة المذكورة: {"حكم الصلاة في الطيارة" بسم الله الرحمن الرحيم استدل فقهائنا المالكية بقوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت الأرض مسجدا" الحديث، على أن حقيقة السجود شرعا هي ما عرفه به بعضهم بقوله مس الأرض أو ما اتصل بها من ثابت بالجبهة إهـ. واحترز بقوله أو ما اتصل بها عن نحو السرير المعلق. وبقوله من ثابت عن الفراش المنفوش جدا. ودخل به السرير الكائن من خشب لا من شريط. نعم أجازه بعضهم للمريض. وظاهر قوله ما اتصل بها ولو كان أعلى من سطح ركبتي المصلى وذلك كالمفتاح أو السبحة ولو اتصلت به والمحفظة وهو كذلك. نعم الأكمل خلافه، هذا هو الأظهر كما في عبد الباقي وغيره. أنظر مجموع الشيخ الأمير. أفاده دسوقي على مختصر الدردير. والحاصل كما في فتاوى والدي الشيخ حسين أن المرتفع عن الأرض إن كان ارتفاعه كثيرا فلا يجزئ السجود عليه كما تفيده المدوّنة وهو المعتمد خلافا لقول غير واحد إنه مكروه.
وأما إن كان ارتفاعه قليلا كسبحة ومفتاح ومحفظة فلا خلاف في صحة السجود عليه وإن كان خلاف الأولى. وأما السجود على الأرض المرتفعة فمكروه فقط. وأما السجود على غير المتصل بالأرض كسرير معلق فلا خلاف في عدم صحته أي السجود عليه إهـ. قلت وذلك لأن السجود عليه ليس بسجود شرعيّ إذ حقيقته كما علمت أن يكون على الأرض أو ما اتصل بها. والسرير المعلق لم يتصل بالأرض. ومنه يعلم بالأولى أن سجود راكب الطيارة التي حدث في هذا الزمان ركوبها في الأسفار للأقطار البعيدة في صلاته فرضا أو نفلا مستقبلا جهة القبلة لا خلاف في عدم صحته. وعليه فالواجب على راكبها أن يجمع جمع تقديم بين الظهرين وبين العشائين. إذا أراد ركوبها بعد دخول وقت الأولى أو يؤخرها الآخرة وقت الثانية إذا ركبها قبل دخول وقت الأولى. ويتفق مع مأمور سيرها على ذلك وعلى نزوله لصلاة الصبح آخر وقتها وإلا صدق عليه قول الإمام مالك (أيركب حيث لا يصلى أو يخرجها عن وقتها ويل لمن ترك الصلاة) أي حقيقة أو حكما، إذ صلاته بها مع ما علمت ليست بصلاة بل هي معدومة شرعاً، والمعدوم شرعا كالمعدوم حسًّا فافهم تغنم. هذا تحقيق المقام فاحفظه. وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين. انتهت الرسالة المذكورة حرفيا.
إذا تقرر هذا وهو عدم صحة الصلاة في الطيارة بمعنى عدم إجزائها وأنها لا تسقط الفرض عن المكلف فأقول - وبالله التوفيق للصواب -: إنه يجب على راكب الطيارة إذا دخل وقت الصلاة وهو فيها معلق في الهواء ولم يغلب على ظنه أنها تهبط إلى الأرض قبل خروج الوقت أن يصلي فيها كيف أمكنه ولو جالسا في الكرسيّ بالإيماء ويكون ذلك لحرمة الوقت لا غير. فإذا نزل إلى قرار الأرض قضى تلك الصلاة. وفائدة صلاته في الطيارة لحرمة الوقت أنه لو مات قبل التمكن من القضاء لا يؤاخذ في الآخرة، لأنه قد عمل مقدوره وما في وسعه.
وقول الشيخ العلامة على بن حسين المالكي في رسالته (ويتفق مع مأمور سيرها على ذلك وعلى نزوله لصلاة الصبح أخر وقتها) هذا مستحيل عادة فلا يمكن أن يطاع أي راكب مهما كان بل ولا يصدر طلبه من أي راكب لأن الذي استقر عليه نظام سير الطيران كما هو معلوم جليا عدم مراعاة الأمور الدينية وبالأخص أوقات الصلوات ولا يؤخذ ذلك في الإعتبار أصلا بل الذي يشاهد في بعض رحلات الطيارة أن الكثير من ركابها يخرجون عن الحشمة وعن الآداب الإسلامية وقد يكون فيها الكثير من الكفار فيجري فيها شرب الخمور ويقع فيها من كثير من النساء التعرى والسفور وتحمير الوجوه بالدمام والإسفيذاج وتزجيج الحواجب والأجفان بما يسمونه بالمكياج، أجفانها مطلية بألوان الرصاص وأظفارهن كأنها من نحاس فهن يمثلن حلية أهل النار. كل ذلك قصدا للفتنة وتحديا وأمنا لمكر الله عز وجل. وتارة تضع البرنيطة على رأسها وتارة ترفعها وتظهر ذوائبها وعقاصها ولا يدخل قلوبَهم خوف الله وخشيته ولا ينظرون إلى أنهم معلقون في الهواء بين السماء والأرض يخشى عليهم بطشه وسطوته. ولكن سبحان الله الحليم الصبور.
نسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين لاستخضار خشيته في كل وقت وحين. اللهم احفظنا بحفظك التام يا ذا الجلال والإكرام. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد مسك الختام وعلى آله وصحبه البررة الكرام
والتابعين لهم بإحسان إلى يوم القيام. سبحان
ربك رب العزة عما يصفون
وسلام على المرسلين
والحمد لله رب
العالمين.
كتبه الفقير إلى رحمة ربه المنان
إسماعيل عثمان زين
لطف الله به
في حكم الوليمة من أهل الميت بعد الوفاة
تأليف
فضيلة الشيخ العلامة المدرس ببلد الله الحرام
الشيخ إسماعيل عثمان زين اليمني المكي
حفظه الله وعافاه آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده للتفقه في الدين وهداهم بنور البصيرة إلى استنباط الأحكام الشرعية من كتابه وسنة نبيه سيد المرسلين. وحفظهم من إجحاف المقصرين وغلوّ الغالين، فصاروا بذلك هم الأمة الوسط الذين لم يقولوا عن جهل ولا شطط. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالحنيفية السمحة السهلة التي ليس فيها حرج. وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا المنهج الصحيح من غير عوج. وعلى التابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد طلب مني من يعز على أن أكتب عن الحديث الوارد في مشكاة المصابيح وفي سنن أبي داود وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي دلائل النبوة له. وهو حديث كما ستراه اشتمل على فوائد جمة وأحكام مهمة. فأقول مستعينا بالله تعالى. قال في مشكاة المصابيح في باب المعجزات ص 544: وعن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأته فأجاب ونحن معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة تقول يا رسول الله إني أرسلت إلى النقيع وهو موضع يباع فيه الغنم ليشتري لي شاة فلم توجد فأرسلت إلى جارٍ لي قد اشترى شاة أن يرسل إليّ بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمي هذا الطعام الأسرى. رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة إهـ. هذا لفظ الحديث في المشكاة. وكتب المعلق عند قوله "داعى امرأته" أي امرأة الميت. وفي سنن أبي داود في كتاب البيوع ما نصه: "حدثنا ابن العلاء أنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلى آخر الحديث المذكور في المشكاة، إلا أنه قال "فلما رجع استقبله داعي امرأة" أي بتنكير امرأة. قال صاحب عون المعبود: "كذا في النسخ الحاضرة". وفي المشكاة: "داعى امرأته" بالإضافة إلى الضمير. قال القاري: "أي زوجة المتوفى"، ثم قال صاحب عون المعبود في آخر شرح الحديث: "والحديث سكت عنه المنذري" إهـ. وفي السنن الكبرى للبيهقي ج 5 ص 335 ما نصه: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو بن مطر ثنا يحيى بن محمد قال وجدت في كتابي عن عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن مزاحم بن زفر عن ربيع بن عبد الله سمع رجلا سأل بن عمر إن لي جارا يأكل الربا أو قال خبيث الكسب وربما دعاني لطعامه أفأجيبه قال نعم. وأخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل أنا أبو عثمان البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد ثنا مسعر عن جواب التميمي عن الحارث بن سريد قال جاء رجل إلى عبد الله يعني ابن مسعود فقال إن لي جارا ولا أعلم له شيئا إلا خبيثا أو حراما وأنه يدعوني فأحرج أن آتيه وأتحرّج أن لا آتيه فقال ائته أو أجبه فإنما وزره عليه. قال الشيخ جواب التيمي غير قوي. وهذا إذا لم يعلم أن الذي قدم إليه حرام. فإذا علم حراما لم يأكله كمالم يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي قدمت إليه. فيما أخبرنا أبو علي الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فأرسلت المرأة إني أرسلت إلى النقيع يشتري لي شاة فلم توجد فأرسلت إلى جاري قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأساري" إهـ. فالكلام على الحديث المذكور من حيث الرواية باختصار وإيجاز فهو أنه حديث ثابت في بعض أمهات السنة المعتبرة. ورواه الأئمة والحفاظ منهم سكتوا عن أي مطعن في متنه أو سنده فدل على أنه لا يقصر عن رتبة الحجية في الأحكام. فهو إما صحيح أو حسن وكل منهما بقسميه المعروفين عند أهل العلم بالحديث وأصوله حجة يحتج به في الحلال والحرام وغيرهما من أولى. فرواية الإمام أبي داود له وسكوته عنه دليل على صلاحيته لذلك. وذلك جار على اصطلاحه في سننه أن ما سكت عليه من الأحاديث فهو صالح. ومعنى كونه صالحا أنه صالح للإحتجاج به. وسكون الحافظ البيهقي في سننه مستدلا به على ثبوت ما يدل عليه من الحكم في باب البيع يدل على ذلك أيضا بالأولى ورجال إسناده كلهم ثقات.
فأما شيخ أبي داود الذي هو محمد بن العلاء فهو أبو كريب محمد ابن العلاء الهمداني. قال في فتح الباري: "مشهور بكنيته أكثر من اسمه" إهـ. وهو شيخ البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الأمهات الست. وفي هامش فتح الباري ما نصه: "محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، وكنيته أبو كريب، روى عنه الجماعة وآخرون، وهو صدوق لا بأس به، وهو مكثر وقد مات سنة ثمان وأربعين ومائتين" إهـ. وكذلك ذكر ترجمته الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 385، ونصه: "محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، أبو كريب الكوفي الحافظ، روى عن عبد الله بن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش" إلخ. فيكفي في معرفة جلالة هذا الإمام وقدره بين الأئمة من أهل الحديث أنه شيخ البخاري وغيره وأنه يلقب بالحافظ. وأما ابن إدريس الذي هو شيخ محمد بن العلاء فهو كما ذكره في تهذيب التهذيب ج 5 ص 144: "عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن ابن الأسود الأودي الزعافري، أبو محمد الكوفي. روى عن أبيه وعمه داود والأعمش ومنصور وعبيد الله بن عمرو إسماعيل بن أبي خالد وأبي مالك الأشجعي وداود بن أبي هند وعاصم بن كليب وابن جريج وابن عجلان وابن إسحاق والمختار بن فلفل وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق ومالك ويزيد بن أبي بردة والحسن بن عبيد الله النخعي والحسن بن فرات وحصين بن عبد الرحمن وربيعة بن عثمان وشعبة وليث بن بن أبي سليم وأبي حيان التيمي ويزيد بن أبي زياد وغيرهم. وعنه مالك بن أنس وهو من شيوخه وابن المبارك ومات قبله ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، والحسن بن الربيع البجلي، وأبو خيثمة، وأبو سعيد الأشج، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير، وأبو كريب، وأبو موسى محمد بن المثنى، ويوسف بن بهلول التميمي، والحسن بن عرفة، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وجماعة. وقال أحمد: كان نسيج وحده. قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: ابن إدريس أحبّ إليك أو ابن نمير؟ فقال: ثقتان، إلا أن ابن إدريس أرفع منه، وهو ثقة في كل شيء. إلى آخرما ذكره في التهذيب فراجعه.
وأما عاصم تالذي هو شيخ ابن إدريس فذكر في التهذيب أيضا ص 55 أنه: عَاصِمُ بنُ كُلَيْب بن شِهَاب بن المَجْنُون الجَرْمِي الكُوفِي. روى عن: أبيه، وأبي بردة بن أبي موسى، وعبد الرحمن بن الأسود، ومحارب بن دثار، وعلقمة بن وائل بن حجر، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم. وعنه: ابن عون، وشعبة، والقاسم بن مالك المزني، وزائدة، وأبو الأحوص، وشريك، والسفيانان، وأبو عوانة، وعلي بن عاصم الواسطي، وغيرهم. قال الأثرم عن أحمد: لا بأس بحديثه. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال الآجري: قلت لأبي داود: عاصم بن كليب ابن من؟ قال: ابن شهاب،كان من العباد، وذكر من فضله، قلت: كان مرجئاً ؟ قال: لا أدري، وقال في موضع آخر: كان أفضل أهل الكوفة. وقال شريك بن عبد اللَّه النخعي: كان مرجئاً. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال أحمد بن صالح المصري: يعدّ من وجوه الكوفيين الثقات، وفي موضع آخر: هو ثقة مأمون. وقال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به، وليس بكثير الحديث، توفي في أول خلافة أبي جعفر إهـ.
وأما أبوه وشيخه كليب فذكر في التهذيب أيضا ج 8 ص 445 أنه: كُلَيْبُ بنُ شِهَاب بن المَجْنُون الجَرْمِي، وفي نسبه اختلاف. روى عن: أبيه، وخاله الفلتان بن عاصم، وعمر، وعلي، وسعد، وأبي ذر، ومجاشع بن مسعود، وأبي موسى، وأبي هريرة، ووائل بن حجر، وغيرهم. روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر. قال أبو زرعة: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، ورأيتهم يستحسنون حديثه و يحتجون به. وقال النسائي: كليب هذا لا نعلم أحداً روى عنه غير ابنه عاصم وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم ليس بقوي في الحديث. وقال الآجري عن أبي داود: عاصم بن كليب عن أبيه عن جده ليس بشيء، الناس يغلطون يقولون: كليب عن أبيه ليس هو ذاك. وقال في موضع آخر: وعاصم بن كليب كان من أفضل أهل الكوفة. وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: وقال: يقال إن له صحبة. وقال ابن أبي خيثمة، والبغوي: قد لحق النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عبد البر في الصحابة، وقد بينت في "الإصابة" سبب وهمهم في ذلك انتهى ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
وأما قوله "عن رجل من الأنصار" فلا شك أن ذلك الرجل من الصحابة فلا يضر الجهل في تعيين اسمه ونسبه وحاله، لأن الصحابة كلهم كلهم عدول وهم الواسطة في نقل الشريعة الغراء من حضرة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم حتى وصلت إلينا. فجزاهم الله عنا خيرا ورضي عنهم وأرضاهم آمين.
وأما من حيث الدراية، ففي الحديث فوائد وأحكام. منها أن فيه علما من أعلام نبوة سيد المرسلين ومعجزة من معجزات خير الخلق أجمعين. وهي الإخبار عن حال الشاة وأنها أخذت ببيع فاسد غير صحيح لغير رضا مالكها. ولأجل ذلك ذكره صاحب المشكاة في المعجزات والحافظ البيهقي في دلائل النبوة. ومنها أن بيع الفضولي باطل غيرصحيح، ولأجل ذلك ذكره أبو داود في كتاب البيع. ومنها أن ما كان من العقود فيه شبهة ينبغي اجتنابه استبراء للدين وبعدا عن الوقوع في الحرام ولأجل ذلك ذكره أبو داود في باب اجتناب الشبهات. ومنها مسألة مهمة ولأجلها كانت كتابة هذه الرسالة، وهي ما يصنعه أهل الميت من الوليمة ودعاء الناس إليها للأكل فإن ذلك جائز كم يدل عليه الحديث المذكور بل هو قربة من القرب لأنه إما أن يكون بقصد حصول الأجر والثواب للميت، وذلك من أفضل القربات التي تلحق الميت باتفاق. وإما أن يكون بقصد إكرام الضيف والتسلي عن المصاب وبعدا عن إظهار الحزن، وذلك أيضا من القربات والطاعات التي يرضاها رب العالمين ويثيب فاعلها ثوابا عظيما. وسواء كان ذلك يوم الوفاة عقب الدفن كما فعلته زوجة الميت المذكورة في الحديث أو بعد ذلك. فالحديث نص صريح في مشروعية ذلك، وأما استحسانه والترغيب فيه وأنه قربة وطاعة فمستفاد من معنى المشروعية وحكمتها جريا على قواعد أهل الشرع وأصولهم. ولا ينافي ذلك الحديث المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم}. لأن هذا الحديث يختمل أن يكون خاصا بآل جعفر رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من شدة حزنهم أنهم لا يستطيعون أن يصنعوا لأنفسهم طعاما فأمر أهل بيته أن يصنعوا لهم ذلك، لأن الخطاب في الحديث لبعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ذلك حينما بلغه حال آل جعفر رضي الله عنهم. فحينئذ يكون هذا الحديث إنما خصوصية لآل جعفر وواقعة عين فلا ينهض به الاستدلال على منع الوليمة من أهل الميت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم من مات له ميت فلا يولم ولا يطعم الناس ولم يجئ في الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الميت عن الوليمة وأن بطعموا غيرهم. بل الذي جاء في الحديث أن أهل الميت أولموا وأطعموا ودعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه فأجاب دعوتهم وأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم إلا أخذ الشاة بغير بيع صحيح وبغير رضا مالكها. وقد جاء أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليه ثم قالت كلوه الحديث كما في البخاري. ومن ينظر في قواعد الشرع بالنظر الصحيح يرى أن لا محذور في وليمة أهل الميت إذا صنعوها وأطعموا غيرهم تقربا إلى الله عز وجل وتسليا عن المصاب وإكراما للضيف النازلين عليهم للتعزية، ولكن قيده الفقهاء رحمهم الله تعالى بأن لا يكون من مال الورثة القاصرين، وذلك لعدم صحة تبرعهم، لا لأن الوليمة مذمومة من حيث هي بل هي محمودة. وهي إحدى الولائم المشروعة وتسمى بالوضيمة بالضاد المعجمة. وما جاء عن جرير رضي الله عنه من قوله كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة فمحمول على ما إذا كان مع إظهار الحزن ووجود الجزع. ويؤيد ذلك قوله من النياحة، لأن ذكر النياحة يدل على أن الاجتماع المذكور إنما صار مذموما من حيث أن فيه شائبة حزن فصار بذلك كأنه نوع من أنواع النياحة. أما إذا خلا عن ذلك فلا مرية في استحسانه جمعا بين الأحاديث. ويكون بذلك قد انتظمت الأدلة وتم الاستدلال وزال بما ذكرناه وجه الاشكال. وما يذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى في كتبهم في مبحث الجنائز من قولهم: ويسن لجيران أهل الميت تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم إهـ محمول على ما ذكرناه من أن ذلك في حق من غلب عليه الحزن كآل جعفر رضي الله عنهم، وليس لهم دليل على كراهة الوليمة من أهل الميت مطلقا إلا ما ورد من حديث آل جعفر وحديث جرير. وكأنهم لم يطلعوا على حديث عاصم بن كليب عن أبيه الذي هو نص في الجواز.
وكون بعض روايات الحديث المذكور في سنن أبي داود وغيرها بتنوين امرأة من غير إضافة إلى الضمير يكفي فيه رواية المشكاة التي فيها لفظ امرأته بالإضافة إلى ضمير زوجة الميت كما قاله في المرقاة مبنية للإجمال ورافعة للإشكال كما هو المعروف بين أهل العلم من حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين والعام على الخاص لاسيما والدليلان قائمان سندا ومتنا، والنظر في قواعد الشرع يقضى بما قلناه فلا حاجة إلى التنفير مما ظاهره القربة والطاعة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى.
قال العلامة القاري في المرقاة بعد ذكر حديث عاصم بن كليب المذكور ما نصه: "هذا الحديث بظاهره يرد على ما قرره أصحاب مذهبنا من أنه يكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول أو الثالث أو بعد الأسبوع كما في البزازية. وذكر في الخلاصة أنه لا يباح اتخاذ الضيافة عند ثلاثة أيام. وقال الزيلعي ولا بأس بالجلوس للمصيبة إلى ثلاث من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل الميت. وقال ابن الهمام يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت. والكل عللوا بأنه شرع في السرور لا في الشرور. قال وهي بدعة مستقبحة. روى الإمام أحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن جرير ابن عبد الله قال كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعهم الطعام من النياحة إهـ. فينبغي أن يقيد كلامهم بنوع خاص من اجتماع يوجب استحياء أهل بيت الميت فيطعمونهم كرها أو يحمل على كون بعض الورثة صغيرا أو غائبا أو لم يعرف رضاه أولم يكن الطعام من عند أحد معين من مال نفسه لا من مال الميت قبل قسمته ونحو ذلك. وعليه يحمل قول قاضي خان يكره اتخاذ الضيافة في أيام المصيبة، لأنها أيام تأسف فلا يليق بها ما يكون للسرور، وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا انتهى كلام القاري رحمه الله تعالى. وهذا كله كما هو ظاهر فيما إذا لم يوص الميت باتخاذ الطعام وإطعامه للمعزين الحاضرين، وإلا فيجب ذلك عملا بوصيته وتكون الوصية معتبرة من الثلث أي ثلث تركة الميت.
قال في التحفة ج 3 ص: 207 أثناء كلام ساقه ومن ثم خالف ذلك بعضهم فأفتى بصحة الوصية بإطعام المعزين وأنه ينفذ من الثلث وبالغ فنقله عن الأئمة إهـ. واعتمد ذلك العلامة الباجوري. ففي الجزء الأول من حواشيه على ابن قاسم ص 369 ما نصه: مسألة كثيرة الوقوع. وهي أنه متى كان في الورثة محجور عليه بأن كان فيهم قاصر أوسفيه حرم التصرف في شيء من التركة كنحو السبح والجمع وغير ذلك إلا إن أوصى به (وخرجت من الثلث) وعند المالكية تعتبر العادة، فما جرت به العادة كان بمنزلة الموصى به إهـ. وكذلك العلامة القارى الحنفي استظهر في المرقاة صحة الوصية بذلك من الثلث.
أقول فقول صاحب المرقاة فينبغي أن يقيد كلامهم إلخ هو جار على ما عليه أهل السنة والجماعة من أن التحسين والتقبيح شرعيان وليسا بالعقل، وحينئذ إذا لم يوجد ما هو مستقبح شرعا في الوليمة المذكورة مثل كونها من مال القاصرين أو بغير رضا بعض الورثة أو مع إظهار الحزن والتأسف فهي حينئذ مستحسنة شرعا، لأنها إما إكرام للضيف من المعزين وغيرهم وإكرام الضيف فضيلة. وإذا استصحب معه قصد التسلى من المصاب كان ذلك أفضل. وإما لقصد التصدق عن الميت وإيصال الثواب إليه، فهي حينئذ مستحبة شرعا وفضيلة بالإتفاق. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت روحها وأظنها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها ؟ قال: نعم. تصدق عنها فلها أجر إهـ. ففي هذا دليل واضح ونص صريح فيما قاناه. رزقنا الله تعالى سلوك سبيل الهداية، وجنبنا أسباب الجهل والغواية، وجعلنا بأنوار شرعه مهتدين وبهدي نبيه متمسكين ومقتدين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
محمد هاشم أشعرى الجومباني
تحرير الفقير إليه تعالى
محمد هاشم أشعرى الجومباني
عفا الله عنه وعن والديه
ومشايخه وجميع
المسلمين
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذى جعل صلة الأرحام من أفضل القربات وقطيعتها من أقبح الذنوب وأفحش السيئآت، جاءت بذلك الآيات البينات، ووردت به الأحاديث الصحيحات عن صاحب الشرع عليه أفضل الصلاة وأتم السلام وعلى آله وصحبه السادة الأعلام.
أما الآية فقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام} أي اتقوا قطيعتها {إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، فإنك إذا علمت أن الله رقيب على أعمالك حافظ لها مجاز عليها رجعت إليه وامتثلت أمره وكنت على غاية الخوف من أليم عقابه وعظيم حجابه واحتفظت على صلة أرحامك وخفت من مقاطعتهم، وقوله تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ. أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}، فمن عنده أدنى يقظة وفهم وتدبر يرجع عن قطيعة الرحم بأدنى مما دلت عليه أية من هذه الآيات الثلاث، ولو فتحت عين بصيرتك وظهرت من النقائص سريرتك لفهمت من هذه الآيات ما يحملك على إفراغ كل وسعك في صلة الأرحام ما أمكنك، وقوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ. الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُوْن}.
وعن محمد الباقر رضي الله عنه أن أباه عليا زين العابدين رضي الله عنه قال: {لا تُصَاحِبْ قَاطِعَ رَحِمٍ لأَنِّي وَجَدْتُهُ مَلْعُوْنًا فِيْ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى فِيْ ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ}، وذكر الآيات السابقة، آية سورة القتال واللعن فيها صريح، وأية الرعد واللعن فيها بطريق العموم لأن ما أمر الله به أن يوصل يشمل الأرحام وغيرها، وأية البقرة واللعن فيها بطريق الإستلزام إذ هو من لوازم الخسران.
وأما الأحاديث فأخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إِنّ اللّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ. حَتّىَ إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرّحِمُ فَقَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ. قَالَ: نَعَمْ. أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَىَ. قَالَ: فَذَاكِ لَكِ }.
وصح قوله صلى الله عليه وسلم: {مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ مِنْ أَنْ يُعَجّلَ الله لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدّنْيَا مَعَ مَا يَدّخِرُ لَهُ في الاَخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرّحِمِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ، وَإِنَّ أَعْجَلَ الطَاعَةِ ثَوَابًا لَصِلَةُ الرَحِمِ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ البَيْتِ لَيَكُوْنُوْا فَجَرَةً فَتَنْمُوْ أَمْوَالُهُمْ وَيَكْثُرُ عَدَدُهُمْ إِذَا تَوَاصَلُوْا، وَمَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ يَتَوَاصَلُوْنَ فَيَحْتَاجُوْنَ، وإنَّ أَعْمَالَ بَنِى آدَمَ تُعْرَضُ كُلَّ خَمِيْسٍ وَلَيْلَةِ جُمْعَةٍ، فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَمَلُ قَاطِعِ رَحِمٍ}.
وصح {ثَلاَثَةٌ لاَ يَدْخُلُوْنَ الجَنَّةَ: مُدْمِنُ الخَمْرِ، وَقَاطِعُ الرَّحِمِ، وَمُصَدِّقٌ بِالسِّحْرِ}، وقوله صلى الله عليه وسلم: {الرَحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرْشِ تَقُوْلُ: مَنْ وَصَلَنِيْ وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِيْ قَطَعَهُ اللهُ}.
وصح قوله صلى الله عليه وسلم: {يقول الله تعالى أَنَا الرّحْمَنُ خَلَقْتُ الرّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسماً مِنْ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطعْتُهُ}
وقال صلى الله عليه وسلم: {أَرْبَى الرِّبَا الإِسْتِطَالَةُ فِيْ عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِنَّ هَذِهِ الرَحِمَ لَشِجْنَةٌ مِنَ الرَحْمَنِ} يعنى قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، وفيها لغتان كسر الشين وضمها مع إسكان الجيم {تَقُوْلُ: يَارَبِّ إِنِّيْ قطعت، يا رب إني أسيء إلي، يا رب فيجيبها، ألا ترضين أن أصل من وصلك ؟ وأقطع من قطعك؟}.
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إنَّ مِن أرْبَى الرّبا الاسْتِطالَةَ في عِرْضِ المُسْلِمِ بِغَيْرِ حَق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن عز وجل، فمن قطعها حرم الله عليه الجنة}. رواه أحمد والبزار.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما رفعه أنه قال: {الطابع معلق بقائمة العرش، فإذا اشتكت الرحم وعمل بالمعاصي واجترئ على الله بعث الله الطابع فيطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئا}.
وعن رجل من خثعم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فقلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله ؟ قال: "نعم". قال: قلت: "يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟"، قال: "الإيمان بالله". قال: قلت: "يا رسول الله، ثم مه ؟"، قال: "ثم صلة الرحم". قال: قلت: "يا رسول الله، ثم مه ؟"، "ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". قال: قلت: "يا رسول الله، أي الأعمال أبغض إلى الله ؟"، قال: "الإشراك بالله". قال: قلت: "يا رسول الله ثم مه ؟" قال: "ثم قطعية الرحم". ". قال: قلت: "يا رسول الله ثم مه ؟" قال: "ثم الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف". رواه أبو يعلى بإسناد جيد.
وعن أبي أيوب رضي الله عنه: {أَنّ أَعْرَابِيا عَرَضَ لِرَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ أَوْ بِزِمَامِهَا، ثُمّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرّبُنِي مِنَ الْجَنّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النّارِ. قَالَ فَكَفّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمّ قَالَ: "لَقَدْ وُفّقَ أَوْ لَقَدْ هُدِيَ" قَالَ: "كَيْفَ قُلْتَ؟" قَالَ فَأَعَادَ. فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: "تَعْبُدُ الله لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئا، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصِلُ الرّحِمَ، دَعِ النّاقَةَ}. وفي رواية: {وَتَصِلُ ذَا رَحِمَكَ. وَلَمّا أَدْبَرَ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِنْ تَمَسّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ دَخَلَ الْجَنّةَ"}. رواه الشيخان واللفظ لمسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {إن الله ليعمر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال، وما ينظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله ؟ قال بصلتهم أرحامهم} رواه الطبراني
(تنبيه) المراد بالرحم التي تجب ما كان هناك محرمية، وهما كل شخصين لوكان أحدهما ذكرا والأخرى أنثى لم يتناكحا، كالآباء والأمهات والإخوة والأخوات والأجداد والجدات وإن علوا ن والأعمام والعمات ةالأخوال والخالات. فأما أولاد هؤلاء فليست الصلة بينهما واجبة، كجواز المناكحة بينهما إهـ تهذيب الفروق.
وعن عائشة رضي الله عنها: {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"}. رواه أحمد
وروي عن درة بنت أبي لهب رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله من خير الناس ؟ قال: {أتقاهم للرب وأوصلهم للرحم وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر}. رواه أبو الشيخ.
وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: {قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقَاطَعُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ}. البخاري وأبو داود والنسائي ومسلم والطبراني، وزاد فيه {يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَم، يَسْبِقُ إِلَى الجَنَّةِ}. قال مالك: "لا أحسب التدابر إلا الإعراض عن المسلم، يدبر عنه بوجهه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ يَحِلّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النّارَ}. رواه أبو داود، وفي رواية لأبي داود: قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لاَيَحِلّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرُ مُؤْمِناً فَوْقَ ثَلاَثٍ، فإِنْ مَرّتْ بِهِ ثَلاَثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلّمْ عَلَيْهِ، فإِنْ رَدّ عَلَيْهِ السّلاَمَ فَقَدِ اشْتَرَكَا في الأجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بالأثْمِ. وَخَرَجَ المُسَلّمُ مِنَ الْهِجْرَة}.
(تنبيه) المراد بالهجرة أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاثة أيام لغير غرض شرعي، وبالتدابر الإعراض عن المسلم، بأن يلقاه فيعرض عنه بوجهه، وبالتشاحن تغير القلوب المؤدي إلى أحد ذينك. أفاده العلامة ابن حجر في الزواجر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لاَ تَحِلّ الهِجْرَةُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ الْتَقَيَا فَسَلَّمَ أَحَدُهُمَا فَرَدَّ الآخَرُ اشْتَرَكاَ فِيْ الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ بَرِئَ هَذَا مِنَ الإِثْمِ وَبَاءَ بِهِ الآخَر}، وأحسبه قال: {وَإِنْ مَاتَا وَهُمَا مُتًهَاجِرَانِ لاَ يَجْتَمِعَانِ فِيْ الجَنَّةِ}. رواه الطبراني في الأوسط.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفا بسند جيد: {لاَ يَتَهَاجَرُ الرَجُلاَنِ قَدْ دَخَلاَ فِيْ الإِسْلاَمِ، إلاَّ خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهُ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى مَاخَرَجَ مِنْهُ. وَرُجُوْعُهُ أَنْ يَأتِيَهُ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ}.
وروى البزار بسند صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: {لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهتجرا لكان أحدهما خارجا من الإسلام حتى يرجع} يعنى الظالم منهما.
(فائدة) قال العلامة ابن حجر رحمه الله في الزواجر: "الأشبه أن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام كبيرة لما فيه من التقاطع والإيذاء والفساد. ويستثنى من تحريم الهجر مسائل ذكرها الأئمة، وحاصلها أنه متى عاد إلى صلاح دين الهاجر والمهجور جاز، وإلاّ فلا" إهـ. قلت وقد رأيت بعيني أن الهجر الواقع بيننا في هذا الزمان لايعود إلى صلاح دين الهاجر ولا المهجور ولا إلى دنياهما، بل يعود إلى فسادهما كما لا يخفى على المتأمل المنصف فهو من الكبائر لما فيه من فساد الدين والدنيا والتحاسد والتباغض. والله أعلم.
(فرع) إذا جرينا على قول صاحب العدة أن هجر المسلم فوق ثلاث صغيرة وأصرّ على ذلك كان بمثابة ارتكاب الكبيرة. وحد الإصرار أن يتكرر منه الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك فترد بذلك شهادته وروايته. وكذلك إذا اجتمعت صغائر مختلفة الأنواع بحيث يشعر أصغر الكبائر. أفاده الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في قواعد الأحكام. وإذا جرينا على القول بأن الهجر المذكور كبيرة فيفسق بذلك ولو بدون إصرار وتسقط عدالته وولايته لموليته وتردّ شهادته وروايته. فتأمل ذلك فإنه مهم جدا، وقد يغفل عنه الخاص فضلا عن العوام.
وعن الأعمش قال: كان ابن مسعود جالساً بعد الصبح في حلقة، فقال: {أُنشد الله قاطع رحم لما قام عنا فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة مغلقة دون قاطع رحم}. رواه الطبراني
وروي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {لا يجالسنا اليوم قاطع رحم} فقام فتى من الحلقة فأتى خالة له، وقد كان بينهما بعض الشيء فاستغفر لها واستغفرت له، ثم عاد إلى المجلس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم} رواه الأصبهاني
(نكتة) المراد بقطع الرحم المحرم قطع ما ألف القريب منه من سابق الوصلة والإحسان، سواء كان الإحسان الذي ألفه منه قريبه مالا أو مكاتبة أو مراسلة أو زيارة أوغير ذلك فقطع ذلك كله بعد فعله لغير عذر شرعي كبيرة، لأن ذلك يؤدى إلى إيحاش القلوب ونفرتها وتأذيها، ويصدق عليه حينئذ أنه قطع وصلة رحمه. أفاده العلامة ابن حجر في الزواجر فتأمل وفقك الله لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم أن شؤم القطيعة تجاوز فاعلها إلى جلسائه وقومه تمنعهم عن شمول الرحمة لهم كما منعت من شمولها له فإذا كان هذا شؤمها في القوم المجالسين لقاطع فما بالك بالقاطعة نفسه فتيقظ لنفسك فإن أمر القطيعة خطير أي خطير واسأل الله تعالى أن يوفقك لصلتها وإن كان في قلبك ما كان فإنه على كل شيىء قدير وبالإجابة جدير.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ثلاث لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا: رجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان} رواه ابن ماجه وابن حبان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: {تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ وَ الخَمِيْسِ، وَيُغْفَرُ لِكُلّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئاً إِلاّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: انْظُرُوا هَذَيْنِ حَتّى يَصْطَلِحَا}. رواه مسلم.
قال أبو داود: إذا كان الهجرة لله فليس من هذا بشيئ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هجر بعض نسائه أربعين يوما، وابن عمر رضي الله عنهما هجر ابنا له إلى أن مات.
(قلت) وأنا الفقير إليه تعالى محمد هاشم أشعري عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين أما كون الهجرة لله تعالى بالنسبة إلى حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فمسلّم ومقبول، وكذلك بالنسبة إلى سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وأما بالنسبة إلى أمثالنا فيحتاج إلى دقة نظر وإعمال فكر، فقد رأيت بعيني أن واحدا من أهل العلم كان له اجتهاد في العبادة، يقوم الليل ويصوم النهار ولا يتكلم إلا بقدر الضرورة ويحج البيت مرارا حتى حصلت له مشيخة الطريقة النقشبندية. وكان في بعض أيامه يعتزل عن الناس في بيت من منزله فلا يخرج إلا لصلاة الجماعة وتعليم الناس كيفية الذكر. ويوما من الأيام يخرج لصلاة الجمعة فلما وصل إلى المسجد غضب على الحاضرين في المسجد ويتكلم عليهم بكلام فاحش ثم يرجع فورا إلى منزله. ويوما من الأيام أتاه في منزله وزير البلد يطلب منه الدعاء ليكون رخينا، وأعطاه شيئا من الدراهم فقبله ودعا له وقابله بلطف وانشراح. وبعد أيام أتيته في منزله وقمت أمام بيته زمنا طويلا وناديته مرارا فلم يجبني حتى جاءت امرأته وراء الباب وقالت إن أخاك لا يرضى أن يخرج من محله لأحد، فقلت لها أخبريه أن أخاك محمد هاشم أشعري يريد أن يقابله فليخرج، وإلاّ سأدخل عليه وأخرجه قهرا، ثم أخبرته فخرج وقابلني فقلت له يا أخي بلغني أنك تفعل كذا وكذا، فلما حملك على ذلك ؟. فقال إني رأيت الناس على غير صورتهم، رأيتهم مثل القردة. فقلت له لعل الشيطان سحر عينك ووسوس في قلبك وقال ألزم بيتك ولا تخرجمنه ليعتقد الناس أنك من أولياء الله فيقصدونك للزيارة والتبرك ويهدون إليك هدايا كثيرة فتأمل يا أخي بإنصاف، فقد قال رسول صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: {وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا}. وقال صلى الله عليه وسلم: {مَنْ كاَنَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ}. ثم بعد أيام جاءني ذلك الشيخ في بيتي، وقال صدقت يا أخي، الآن تركت عزلتي وفعلت مثل ما يشغل الناس، فكان كذلك إلى أن توفي ذلك الشيخ رحمه الله تعالى.
ومن المعلوم أنه قد وقع الإختلاف في الفروع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم وهم خير الأمة، فما خاصم أحد منهم أحدا ولا عادى أحد أحدا ولا نسب أحد أحدا إلى خطأ ولا قصور. وكذلك وقع الإختلاف في الفروع بين الإمام أبي حنيفة والإمام مالك رضي الله عنهما في مسائل كثيرة يبلغ عددها أربعة عشر آلاف تقريبا في أبواب العبادة والمعاملة، وبين الإمام الشافعي وأستاذه الإمام مالك رضي اللع عنهما في مسائل كثيرة يبلغ عددها ستة آلاف تقريبا. وكذلك بين الإمام أحمد بن حنبل وأستاذه الإمام الشافعي رضب الله عنهما في مسائل كثيرة كذلك، فما عادى أحد منهم أحدا ولا شنع أحد منهم أحدا ولا حقد أحد منهم أحدا ولا نسب أحد أحدا إلى خطأ ولا قصور، بل لا يزالون يتحابون ويتصافون لإخوانهم ويدعو كل واحد لهم بكل خير. وذكر أن الإمام الشافعي لما زار قبر الإمام أبي حنيفة رضي الله عنهما وأقام فيه نحو سبعة أيام يقرأ فيه القرآن العظيم وكلما ختم ختمة أهدى ثوابه إلى الإمام أبي حنيفة، وأن الإمام الشافعي لا يقنت في صلاة الصبح مدة إقامته في قبة الإمام أبي حنيفة، لا يقول يندب القنوت في صلاة الصبح فتركته تأدّبا معه. وكذلك وقع الإختلاف بين شيخي المذهب الرافعي والنووي رضي الله عنهما في مسائل كثيرة. وكذلك وقع الإختلاف بين الإمام العلامة أحمد بن حجر والإمام العلامة الرملي وأتباعهما، فما خاصم أحد منهم أحدا ولا عادى أحد منهم أحدا ولا نسب أحد أحدا إلى خطأ، بل كانوا متحابين متآخين متصافين.
إذا علمت ذلك فهمت أن ما وقع بيننا من المخاصمة والمعاداة والمقاطعة بسبب اختلاف في مسألة أو مسائل قليلة من تسويل الشيطان والمباهاة والمفاخرة بين الإخوان ومتابعة الهوى. وقد قال تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَاذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلاَ في غَنَمِ بِأَفْسَدَ لهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرءِ عَلَى الْمَالِ وَالشّرَفِ لِدِيِنِه} رواه الإمام أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي حسن صحيح. وفي رواية جابر رضي الله عنه: {مَاذِئْبَانِ ضَارِيَانِ يَأْتِيَانِ فِيْ غَنَمٍ غَابَ رُعَاؤُهَا بِأَفْسَدَ لِلنَّاسِ مِنْ حُبِّ الشَرَفِ وَالمَالِ لِدِيْنِ المُؤْمِنِ}. وقال الشاعر:
إِذَا أَنْتَ تَابَعْتَ الْهَوَى قَادَكَ الهَوَىْ >< إِلَى كُلِّ مَا فِيْهِ عَلَيْكَ مَقَالُ
فنحن نرجو من إخواننا المسلمين والعلماء المتقين أن يتبعوا الصحابة والأئمة والعلماء العاملين الصالحين رضي الله عنهم وعنّا بهم في ذلك. وهذا آخر التبيان وفقنا الله وإياكم لما يرضيه عنا وغفر كل سيئة صدرت منا وكلانا بحغظه ورعايته أينما كنا. إنه جواد كريم رؤوف رحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. يقول مؤلفه عفا الله عنه وعن والديه وعن مشايخه وجميع المسلمين.
فرغت من تأليفه يوم الإثنين العشرين من شهر شوال منشهور سنة الستين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة على صاحبها أفضل صلوات وأتم تسليمات في منزلي تيبوإيرع جومباع صانه الله عن الشر والفساد. دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.
المحكم والمتشابه في القرآن
من فتاوى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي:
السؤال: سماحة الشيخ الجليل يوسف القرضاوي متع الله به
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
(وبعد)
القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد الذي ختم به الكتب، وقد شاء الله سبحانه أن يتكفل هو بحفظ كتابه، ولم يكِل ذلك لأحد من خلقه، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، والقارئ لكتاب الله يجد أن القرآن نفسه يقرر أن منه المحكم ومنه المتشابه {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7].
سماحة الشيخ: ما المقصود بالمحكم والمتشابه؟ وما الحكمة من وجود هذا التنوع؟
ولماذا لم يكن القرآن كله محكمًا ؟ حتى لا تزيغ الأهواء، وتتعدد الأفهام، ويضل الناس، نرجو من فضيلتكم توضيح هذه المفاهيم.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين
(أما بعد)
مما لا ريب فيه أن في القرآن محكما ومتشابها، وفقا لما صرح به القرآن نفسه في الآية السابعة من سورة آل عمران: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران:7].
هذا، مع أن في آية أخرى أثبت القرآن أن آياته كلها محكمة، كما قال تعالى في مطلع سورة هود: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود:1].
ومعنى (إحكامها): إتقانها وإحسانها بحيث لا يتطرق إليها أي لون من ألوان الاختلال في اللفظ أو المعنى، في المفردات أو الجمل، في الأخبار أو الأحكام. كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام:115]، صدقا في الأخبار، عدلا في الأحكام.
كما وصف القرآن في آية أخرى بأنه كله متشابه، كما قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} [الزمر23].
ومعنى تشابهه: أنه يشبه بعضه في بلاغته وإعجازه، وروعة تأثيره، وفي صدق أخباره، وعدالة أحكامه، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} [الأنعام:115]، وكذلك في تناسقه وتناغمه بحيث يصدق بعضه بعضا، ولا يتناقض بعضه مع بعض: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء:82].
فآية سورة آل عمران قد بينت أن في القرآن آيات محكمات وأخر متشابهات، فما معنى الإحكام والتشابه، وبالتالي: ما معنى المحكم والمتشابه في القرآن؟
نقل الشيخ مرعي في كتابه (أقاويل الثقات) جملة أقوال للعلماء في بيان ذلك:
فقيل: المحكم: ما وضح معناه، والمتشابه: نقيضه.
وقيل: المحكم: ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا، والمتشابه: ما احتمل أوجها.
وقيل: المحكم: ما تأويله تنزيله، والمتشابه: ما لا يدرى إلا بالتأويل.
وقيل: المحكم: ما لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه: القصص والأمثال.
وقيل: المحكم: ما يعرفه الراسخون في العلم، والمتشابه: ما ينفرد الله بعلمه.
وقيل: المتشابه: الحروف المقطعة في أوائل السور، وما سوى ذلك محكم. وقيل غير ذلك.
وقال جماعة من الأصوليين: المحكم: ما عرف المراد منه، قيل: ولو بالتأويل، والمتشابه: ما استأثر الله بعلمه، كالحروف المقطعة، وهو معنى قول بعضهم: إن المحكم: هو المكشوف المعنى الذي لا يتطرق إليه إشكال واحتمال، والمتشابه: ما يتعارض فيه الاحتمال، ويجوز أن يعبر به عن الأسماء المشتركة: كالقَرْء[1]، وكاللمس[2] المتردد بين المس والوطء، وقد يطلق على ما ورد في صفات الله تعالى مما يوهم ظاهره الجهة والتشبيه، ويحتاج إلى تأويله.
وأنا أميل إلى هذا القول.
سر وجود المتشابه في القرآن:
ونبدأ بالإجابة على هذا السؤال: لماذا وجد في القرآن (آيات متشابهات) ولم يكن القرآن كله محكما؟
فقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} [آل عمران:7].
لماذا أنزل الله هذه الآيات التي يركض وراءها الزائغون؟ يعتمدون عليها، ويتركون المحكمات - وهي أم الكتاب ومعظمه - ابتغاء الفتنة للعقول، وابتغاء التأويل فيما لا يعلمون تأويله، وليس من اختصاصهم تأويله، إنما يريدون تأويله تأويلا يخدم أهواءهم؟
وقد بينا الحكمة من ذلك في كتابنا (كيف نتعامل مع القرآن العظيم؟):
(وقد يسأل سائل بعد ذلك: لماذا جعل الله في كتابه (المتشابه) ولماذا لم يجعله كله (محكما).
والحق: أن من عرف طبيعة اللغات - وبخاصة العربية - وما فيها من اختلاف الدلالات للألفاظ والجمل، وتنوع الخطاب حسب مقتضى الحال، ما بين الحذف والذكر، والتقديم والتأخير، والإيجاز والإطناب، وما بين الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والعموم والخصوص… إلخ.
وعرف طبيعة الإنسان باعتباره مخلوقا مختارا عاقلا مبتلى بالتكليف، وليس كالحيوانات العجماوات، أو الجمادات المسخرات، ولا كالملائكة المفطورين على الطاعات دون اختيار منهم… وأن من شأنه أن يُعمل قواه وملكاته العقلية.
وعرف طبيعة الدين، وطبيعة التكليف فيه، وهو إلزام ما فيه كلفة ومعاناة، لما فيه من صقل الإنسان في الدنيا، وإعداده بهذا للخلود في الآخرة، وترتيب الجزاء والثواب على هذه المعاناة.
وعرف طبيعة الإسلام الذي يخاطب أولي الألباب، ويريد تحريك العقول لتبحث وتجتهد، وتدرس وتستنبط، ولا تركن إلى الدعة والكسل العقلي.
وعرف طبيعة البشر، وتنوع أصنافهم، ففيهم الظاهري الذي يقف عند حرفية النص، وفيهم الذي يهتم بروح النص، ولا يكتفي بظاهره، فيهم من يسلِّم، وفيهم من يؤوِّل، فيهم العقلاني، وفيهم الوجداني… وكان الخطاب القرآني للناس جميعا. فاقتضت حكمة الله أن يسعهم خطابه، وأن يودعه من البينات والدلائل ما يرشدهم إلى الصواب، ولكن بعد بحث وجهد، حتى يرتقوا في الدنيا، ويثابوا في الآخرة… والله أعلم[3].
[1] - وهو متردد بين الحيض والطهر، وانظر: تفسير القرطبي (3/112)، وزاد المسير (1/258)، والصحيح أنه الحيض كما حققه ابن القيم في زاد المعاد (5/600- 615) بتحقيق الشيخ شعيب.


