Rabu, 19 Agustus 2009

في حكم الوليمة من أهل الميت بعد الوفاة

في حكم الوليمة من أهل الميت بعد الوفاة

تأليف
فضيلة الشيخ العلامة المدرس ببلد الله الحرام
الشيخ إسماعيل عثمان زين اليمني المكي
حفظه الله وعافاه آمين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وفق من شاء من عباده للتفقه في الدين وهداهم بنور البصيرة إلى استنباط الأحكام الشرعية من كتابه وسنة نبيه سيد المرسلين. وحفظهم من إجحاف المقصرين وغلوّ الغالين، فصاروا بذلك هم الأمة الوسط الذين لم يقولوا عن جهل ولا شطط. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالحنيفية السمحة السهلة التي ليس فيها حرج. وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا المنهج الصحيح من غير عوج. وعلى التابعين لهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فقد طلب مني من يعز على أن أكتب عن الحديث الوارد في مشكاة المصابيح وفي سنن أبي داود وفي السنن الكبرى للبيهقي وفي دلائل النبوة له. وهو حديث كما ستراه اشتمل على فوائد جمة وأحكام مهمة. فأقول مستعينا بالله تعالى. قال في مشكاة المصابيح في باب المعجزات ص 544: وعن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأته فأجاب ونحن معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة تقول يا رسول الله إني أرسلت إلى النقيع وهو موضع يباع فيه الغنم ليشتري لي شاة فلم توجد فأرسلت إلى جارٍ لي قد اشترى شاة أن يرسل إليّ بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعمي هذا الطعام الأسرى. رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة إهـ. هذا لفظ الحديث في المشكاة. وكتب المعلق عند قوله "داعى امرأته" أي امرأة الميت. وفي سنن أبي داود في كتاب البيوع ما نصه: "حدثنا ابن العلاء أنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم" إلى آخر الحديث المذكور في المشكاة، إلا أنه قال "فلما رجع استقبله داعي امرأة" أي بتنكير امرأة. قال صاحب عون المعبود: "كذا في النسخ الحاضرة". وفي المشكاة: "داعى امرأته" بالإضافة إلى الضمير. قال القاري: "أي زوجة المتوفى"، ثم قال صاحب عون المعبود في آخر شرح الحديث: "والحديث سكت عنه المنذري" إهـ. وفي السنن الكبرى للبيهقي ج 5 ص 335 ما نصه: "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو عمرو بن مطر ثنا يحيى بن محمد قال وجدت في كتابي عن عبيد الله بن معاذ ثنا أبي ثنا شعبة عن مزاحم بن زفر عن ربيع بن عبد الله سمع رجلا سأل بن عمر إن لي جارا يأكل الربا أو قال خبيث الكسب وربما دعاني لطعامه أفأجيبه قال نعم. وأخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن المؤمل أنا أبو عثمان البصري ثنا محمد بن عبد الوهاب أنا يعلى بن عبيد ثنا مسعر عن جواب التميمي عن الحارث بن سريد قال جاء رجل إلى عبد الله يعني ابن مسعود فقال إن لي جارا ولا أعلم له شيئا إلا خبيثا أو حراما وأنه يدعوني فأحرج أن آتيه وأتحرّج أن لا آتيه فقال ائته أو أجبه فإنما وزره عليه. قال الشيخ جواب التيمي غير قوي. وهذا إذا لم يعلم أن الذي قدم إليه حرام. فإذا علم حراما لم يأكله كمالم يأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة التي قدمت إليه. فيما أخبرنا أبو علي الروذباري أنا محمد بن بكر ثنا أبو داود ثنا محمد بن العلاء ثنا ابن إدريس أنا عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر أوسع من قبل رجليه أوسع من قبل رأسه فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فأرسلت المرأة إني أرسلت إلى النقيع يشتري لي شاة فلم توجد فأرسلت إلى جاري قد اشترى شاة أن أرسل بها إلي بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطعميه الأساري" إهـ. فالكلام على الحديث المذكور من حيث الرواية باختصار وإيجاز فهو أنه حديث ثابت في بعض أمهات السنة المعتبرة. ورواه الأئمة والحفاظ منهم سكتوا عن أي مطعن في متنه أو سنده فدل على أنه لا يقصر عن رتبة الحجية في الأحكام. فهو إما صحيح أو حسن وكل منهما بقسميه المعروفين عند أهل العلم بالحديث وأصوله حجة يحتج به في الحلال والحرام وغيرهما من أولى. فرواية الإمام أبي داود له وسكوته عنه دليل على صلاحيته لذلك. وذلك جار على اصطلاحه في سننه أن ما سكت عليه من الأحاديث فهو صالح. ومعنى كونه صالحا أنه صالح للإحتجاج به. وسكون الحافظ البيهقي في سننه مستدلا به على ثبوت ما يدل عليه من الحكم في باب البيع يدل على ذلك أيضا بالأولى ورجال إسناده كلهم ثقات.
فأما شيخ أبي داود الذي هو محمد بن العلاء فهو أبو كريب محمد ابن العلاء الهمداني. قال في فتح الباري: "مشهور بكنيته أكثر من اسمه" إهـ. وهو شيخ البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الأمهات الست. وفي هامش فتح الباري ما نصه: "محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، وكنيته أبو كريب، روى عنه الجماعة وآخرون، وهو صدوق لا بأس به، وهو مكثر وقد مات سنة ثمان وأربعين ومائتين" إهـ. وكذلك ذكر ترجمته الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب ج 9 ص 385، ونصه: "محمد بن العلاء بن كريب الهمداني، أبو كريب الكوفي الحافظ، روى عن عبد الله بن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش" إلخ. فيكفي في معرفة جلالة هذا الإمام وقدره بين الأئمة من أهل الحديث أنه شيخ البخاري وغيره وأنه يلقب بالحافظ. وأما ابن إدريس الذي هو شيخ محمد بن العلاء فهو كما ذكره في تهذيب التهذيب ج 5 ص 144: "عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن ابن الأسود الأودي الزعافري، أبو محمد الكوفي. روى عن أبيه وعمه داود والأعمش ومنصور وعبيد الله بن عمرو إسماعيل بن أبي خالد وأبي مالك الأشجعي وداود بن أبي هند وعاصم بن كليب وابن جريج وابن عجلان وابن إسحاق والمختار بن فلفل وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد الأنصاري ومحمد بن إسحاق ومالك ويزيد بن أبي بردة والحسن بن عبيد الله النخعي والحسن بن فرات وحصين بن عبد الرحمن وربيعة بن عثمان وشعبة وليث بن بن أبي سليم وأبي حيان التيمي ويزيد بن أبي زياد وغيرهم. وعنه مالك بن أنس وهو من شيوخه وابن المبارك ومات قبله ويحيى بن آدم، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، والحسن بن الربيع البجلي، وأبو خيثمة، وأبو سعيد الأشج، وعمرو الناقد، ومحمد بن عبد اللَّه بن نمير، وأبو كريب، وأبو موسى محمد بن المثنى، ويوسف بن بهلول التميمي، والحسن بن عرفة، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي، وجماعة. وقال أحمد: كان نسيج وحده. قال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: ابن إدريس أحبّ إليك أو ابن نمير؟ فقال: ثقتان، إلا أن ابن إدريس أرفع منه، وهو ثقة في كل شيء. إلى آخرما ذكره في التهذيب فراجعه.
وأما عاصم تالذي هو شيخ ابن إدريس فذكر في التهذيب أيضا ص 55 أنه: عَاصِمُ بنُ كُلَيْب بن شِهَاب بن المَجْنُون الجَرْمِي الكُوفِي. روى عن: أبيه، وأبي بردة بن أبي موسى، وعبد الرحمن بن الأسود، ومحارب بن دثار، وعلقمة بن وائل بن حجر، ومحمد بن كعب القرظي، وغيرهم. وعنه: ابن عون، وشعبة، والقاسم بن مالك المزني، وزائدة، وأبو الأحوص، وشريك، والسفيانان، وأبو عوانة، وعلي بن عاصم الواسطي، وغيرهم. قال الأثرم عن أحمد: لا بأس بحديثه. وقال ابن معين، والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح. وقال الآجري: قلت لأبي داود: عاصم بن كليب ابن من؟ قال: ابن شهاب،كان من العباد، وذكر من فضله، قلت: كان مرجئاً ؟ قال: لا أدري، وقال في موضع آخر: كان أفضل أهل الكوفة. وقال شريك بن عبد اللَّه النخعي: كان مرجئاً. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال أحمد بن صالح المصري: يعدّ من وجوه الكوفيين الثقات، وفي موضع آخر: هو ثقة مأمون. وقال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد. وقال ابن سعد: كان ثقة يحتج به، وليس بكثير الحديث، توفي في أول خلافة أبي جعفر إهـ.
وأما أبوه وشيخه كليب فذكر في التهذيب أيضا ج 8 ص 445 أنه: كُلَيْبُ بنُ شِهَاب بن المَجْنُون الجَرْمِي، وفي نسبه اختلاف. روى عن: أبيه، وخاله الفلتان بن عاصم، وعمر، وعلي، وسعد، وأبي ذر، ومجاشع بن مسعود، وأبي موسى، وأبي هريرة، ووائل بن حجر، وغيرهم. روى عنه: ابنه عاصم، وإبراهيم بن مهاجر. قال أبو زرعة: ثقة. وقال ابن سعد: كان ثقة، ورأيتهم يستحسنون حديثه و يحتجون به. وقال النسائي: كليب هذا لا نعلم أحداً روى عنه غير ابنه عاصم وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم ليس بقوي في الحديث. وقال الآجري عن أبي داود: عاصم بن كليب عن أبيه عن جده ليس بشيء، الناس يغلطون يقولون: كليب عن أبيه ليس هو ذاك. وقال في موضع آخر: وعاصم بن كليب كان من أفضل أهل الكوفة. وذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: وقال: يقال إن له صحبة. وقال ابن أبي خيثمة، والبغوي: قد لحق النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره ابن مندة، وأبو نعيم، وابن عبد البر في الصحابة، وقد بينت في "الإصابة" سبب وهمهم في ذلك انتهى ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
وأما قوله "عن رجل من الأنصار" فلا شك أن ذلك الرجل من الصحابة فلا يضر الجهل في تعيين اسمه ونسبه وحاله، لأن الصحابة كلهم كلهم عدول وهم الواسطة في نقل الشريعة الغراء من حضرة سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى من بعدهم حتى وصلت إلينا. فجزاهم الله عنا خيرا ورضي عنهم وأرضاهم آمين.
وأما من حيث الدراية، ففي الحديث فوائد وأحكام. منها أن فيه علما من أعلام نبوة سيد المرسلين ومعجزة من معجزات خير الخلق أجمعين. وهي الإخبار عن حال الشاة وأنها أخذت ببيع فاسد غير صحيح لغير رضا مالكها. ولأجل ذلك ذكره صاحب المشكاة في المعجزات والحافظ البيهقي في دلائل النبوة. ومنها أن بيع الفضولي باطل غيرصحيح، ولأجل ذلك ذكره أبو داود في كتاب البيع. ومنها أن ما كان من العقود فيه شبهة ينبغي اجتنابه استبراء للدين وبعدا عن الوقوع في الحرام ولأجل ذلك ذكره أبو داود في باب اجتناب الشبهات. ومنها مسألة مهمة ولأجلها كانت كتابة هذه الرسالة، وهي ما يصنعه أهل الميت من الوليمة ودعاء الناس إليها للأكل فإن ذلك جائز كم يدل عليه الحديث المذكور بل هو قربة من القرب لأنه إما أن يكون بقصد حصول الأجر والثواب للميت، وذلك من أفضل القربات التي تلحق الميت باتفاق. وإما أن يكون بقصد إكرام الضيف والتسلي عن المصاب وبعدا عن إظهار الحزن، وذلك أيضا من القربات والطاعات التي يرضاها رب العالمين ويثيب فاعلها ثوابا عظيما. وسواء كان ذلك يوم الوفاة عقب الدفن كما فعلته زوجة الميت المذكورة في الحديث أو بعد ذلك. فالحديث نص صريح في مشروعية ذلك، وأما استحسانه والترغيب فيه وأنه قربة وطاعة فمستفاد من معنى المشروعية وحكمتها جريا على قواعد أهل الشرع وأصولهم. ولا ينافي ذلك الحديث المشهور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم {اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد جاءهم ما يشغلهم}. لأن هذا الحديث يختمل أن يكون خاصا بآل جعفر رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى من شدة حزنهم أنهم لا يستطيعون أن يصنعوا لأنفسهم طعاما فأمر أهل بيته أن يصنعوا لهم ذلك، لأن الخطاب في الحديث لبعض أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ذلك حينما بلغه حال آل جعفر رضي الله عنهم. فحينئذ يكون هذا الحديث إنما خصوصية لآل جعفر وواقعة عين فلا ينهض به الاستدلال على منع الوليمة من أهل الميت ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم من مات له ميت فلا يولم ولا يطعم الناس ولم يجئ في الحديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الميت عن الوليمة وأن بطعموا غيرهم. بل الذي جاء في الحديث أن أهل الميت أولموا وأطعموا ودعوا الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه فأجاب دعوتهم وأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم إلا أخذ الشاة بغير بيع صحيح وبغير رضا مالكها. وقد جاء أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليه ثم قالت كلوه الحديث كما في البخاري. ومن ينظر في قواعد الشرع بالنظر الصحيح يرى أن لا محذور في وليمة أهل الميت إذا صنعوها وأطعموا غيرهم تقربا إلى الله عز وجل وتسليا عن المصاب وإكراما للضيف النازلين عليهم للتعزية، ولكن قيده الفقهاء رحمهم الله تعالى بأن لا يكون من مال الورثة القاصرين، وذلك لعدم صحة تبرعهم، لا لأن الوليمة مذمومة من حيث هي بل هي محمودة. وهي إحدى الولائم المشروعة وتسمى بالوضيمة بالضاد المعجمة. وما جاء عن جرير رضي الله عنه من قوله كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعهم الطعام من النياحة فمحمول على ما إذا كان مع إظهار الحزن ووجود الجزع. ويؤيد ذلك قوله من النياحة، لأن ذكر النياحة يدل على أن الاجتماع المذكور إنما صار مذموما من حيث أن فيه شائبة حزن فصار بذلك كأنه نوع من أنواع النياحة. أما إذا خلا عن ذلك فلا مرية في استحسانه جمعا بين الأحاديث. ويكون بذلك قد انتظمت الأدلة وتم الاستدلال وزال بما ذكرناه وجه الاشكال. وما يذكره الفقهاء رحمهم الله تعالى في كتبهم في مبحث الجنائز من قولهم: ويسن لجيران أهل الميت تهيئة طعام يشبعهم يومهم وليلتهم إهـ محمول على ما ذكرناه من أن ذلك في حق من غلب عليه الحزن كآل جعفر رضي الله عنهم، وليس لهم دليل على كراهة الوليمة من أهل الميت مطلقا إلا ما ورد من حديث آل جعفر وحديث جرير. وكأنهم لم يطلعوا على حديث عاصم بن كليب عن أبيه الذي هو نص في الجواز.
وكون بعض روايات الحديث المذكور في سنن أبي داود وغيرها بتنوين امرأة من غير إضافة إلى الضمير يكفي فيه رواية المشكاة التي فيها لفظ امرأته بالإضافة إلى ضمير زوجة الميت كما قاله في المرقاة مبنية للإجمال ورافعة للإشكال كما هو المعروف بين أهل العلم من حمل المطلق على المقيد والمجمل على المبين والعام على الخاص لاسيما والدليلان قائمان سندا ومتنا، والنظر في قواعد الشرع يقضى بما قلناه فلا حاجة إلى التنفير مما ظاهره القربة والطاعة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرء ما نوى.
قال العلامة القاري في المرقاة بعد ذكر حديث عاصم بن كليب المذكور ما نصه: "هذا الحديث بظاهره يرد على ما قرره أصحاب مذهبنا من أنه يكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول أو الثالث أو بعد الأسبوع كما في البزازية. وذكر في الخلاصة أنه لا يباح اتخاذ الضيافة عند ثلاثة أيام. وقال الزيلعي ولا بأس بالجلوس للمصيبة إلى ثلاث من غير ارتكاب محظور من فرش البسط والأطعمة من أهل الميت. وقال ابن الهمام يكره اتخاذ الضيافة من أهل الميت. والكل عللوا بأنه شرع في السرور لا في الشرور. قال وهي بدعة مستقبحة. روى الإمام أحمد وابن حبان بإسناد صحيح عن جرير ابن عبد الله قال كنا نعدّ الاجتماع إلى أهل الميت وصنيعهم الطعام من النياحة إهـ. فينبغي أن يقيد كلامهم بنوع خاص من اجتماع يوجب استحياء أهل بيت الميت فيطعمونهم كرها أو يحمل على كون بعض الورثة صغيرا أو غائبا أو لم يعرف رضاه أولم يكن الطعام من عند أحد معين من مال نفسه لا من مال الميت قبل قسمته ونحو ذلك. وعليه يحمل قول قاضي خان يكره اتخاذ الضيافة في أيام المصيبة، لأنها أيام تأسف فلا يليق بها ما يكون للسرور، وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا انتهى كلام القاري رحمه الله تعالى. وهذا كله كما هو ظاهر فيما إذا لم يوص الميت باتخاذ الطعام وإطعامه للمعزين الحاضرين، وإلا فيجب ذلك عملا بوصيته وتكون الوصية معتبرة من الثلث أي ثلث تركة الميت.
قال في التحفة ج 3 ص: 207 أثناء كلام ساقه ومن ثم خالف ذلك بعضهم فأفتى بصحة الوصية بإطعام المعزين وأنه ينفذ من الثلث وبالغ فنقله عن الأئمة إهـ. واعتمد ذلك العلامة الباجوري. ففي الجزء الأول من حواشيه على ابن قاسم ص 369 ما نصه: مسألة كثيرة الوقوع. وهي أنه متى كان في الورثة محجور عليه بأن كان فيهم قاصر أوسفيه حرم التصرف في شيء من التركة كنحو السبح والجمع وغير ذلك إلا إن أوصى به (وخرجت من الثلث) وعند المالكية تعتبر العادة، فما جرت به العادة كان بمنزلة الموصى به إهـ. وكذلك العلامة القارى الحنفي استظهر في المرقاة صحة الوصية بذلك من الثلث.
أقول فقول صاحب المرقاة فينبغي أن يقيد كلامهم إلخ هو جار على ما عليه أهل السنة والجماعة من أن التحسين والتقبيح شرعيان وليسا بالعقل، وحينئذ إذا لم يوجد ما هو مستقبح شرعا في الوليمة المذكورة مثل كونها من مال القاصرين أو بغير رضا بعض الورثة أو مع إظهار الحزن والتأسف فهي حينئذ مستحسنة شرعا، لأنها إما إكرام للضيف من المعزين وغيرهم وإكرام الضيف فضيلة. وإذا استصحب معه قصد التسلى من المصاب كان ذلك أفضل. وإما لقصد التصدق عن الميت وإيصال الثواب إليه، فهي حينئذ مستحبة شرعا وفضيلة بالإتفاق. روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت روحها وأظنها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها ؟ قال: نعم. تصدق عنها فلها أجر إهـ. ففي هذا دليل واضح ونص صريح فيما قاناه. رزقنا الله تعالى سلوك سبيل الهداية، وجنبنا أسباب الجهل والغواية، وجعلنا بأنوار شرعه مهتدين وبهدي نبيه متمسكين ومقتدين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar